mohamedibrahim

شارك على مواقع التواصل

استيقظ "مدحت" على صوت نباح صاخب، يُصدره كلبه الضخم من حديقة الفيللا . نظر إلى ساعته فوجدها تشير إلى الثانية عشرة تماماً من منتصف الليل . نفض الغطاء عن جسده وتحرك على أطراف أصابعه، كيلا يوقظ زوجته التي مازالت تغط في سبات عميق ! .
بحث عن الشبشب والروب في الظلام، ثم انطلق بهما خارجاً من حجرة النوم . أخذ يقفز السلالم قفزاً، ثم فتح باب الفيللا واندفع إلى الحديقة .
كان الكلب يبدو ثائراً بدون سبب مفهوم . نادى "مدحت" على "السيكيوريتي" فلم يجبه أحد . غمغم متوعداً : "اتنين سيكيوريتي ومافيش واحد فيهم رد عليا..ماشي..حسابكم معايا بعدين يابهوات " !! .
لاحظ أن الكلب ينبش الأرض الطينية تحت أقدامه، في عصبية واضحة، فوضع يده برفق على رأسه، وراح يمرر أصابعه ببطء في فروته حتى هدأ، ثم أعاده إلى موضعه .
ورجع إلى المكان الذي كان الكلب ينبش فيه، فاسترعى انتباهه بروز شيءٍ ما يظهر واضحاً بين ثنايا التربة . مد يده وأخرج ذلك الشيء، فاكتشف إنه رسالة ملفوفة بشكل اسطواني، ويبدو عليها إنها من جلد الغزال أو شيء من هذا القبيل . اندهش "مدحت" بشدة من وجود هذه الرسالة مدفونة هكذا، وثار فضوله لمعرفة ماتحتويه .
فضَّ الرسالة، فوجدها مكتوبة باللغة العربية الفصحي، وتقول مايلي :
" إلى من يجد هذه الرسالة..اعلم أن صاحبها هو الأمير "برهومة" المملوكي، وقد أخفيت رسالتي هذه هنا، حتى لايعثر عليها أحد من الأتراك الأوغاد، فهي تضم خريطة الكنز الذي أخفيته تحت قواعد هذا القصر، الذي أمضيت به أجمل أيام عمري بمصر . إنني أستعد الآن للفرار من وجه الأتراك الغزاة، عازماً الارتحال إلى بلاد الفرنسيس (فرنسا)..ولن أتمكن من حمل ثروتي الضخمة من النقود والجواهر والأواني الذهبية معي، لذا أراني مُضطراً إلى ترك معظمها ها هنا . وإنني لأرجو ممن يعثر عليها أن يكون حكيماً في التصرف بها، وأن يحفظ لي جانباً منها، إذا شاءت إرادة الله القدير، بالعودة إلى الديار المصرية من جديد " .
الأمير برهومة المملوكي
قاهرة المعز في (938) من الهجرة
الموافق (1517) من الميلاد

انتهى "مدحت" من قراءة الرسالة الغريبة، ووقف لحظات مدهوشاً يحملق في الخريطة التي معها، ووجد نفسه حائراً..لايعرف ماذا يفعل بالضبط..هل يبدأ في البحث عن الكنز..أم يُرجىء البحث إلى وقت آخر ويصعد إلى فراشه لينام ؟! .
كانت ساعته تُشير إلى الثانية عشرة وخمس دقائق، ولن تصحو زوجته قبل سبع ساعات على الأقل . أدار الأمر في رأسه وقرر أن يبدأ البحث فوراً..
فإن وجد الكنز، فسوف تكون مفاجأة رائعة.. لزوجته التي يعشقها ! .
ذهب إلى أحد أركان الحديقة وأحضر فأساً ليحفر به . أمسك الخريطة بيده ورفعها أمام عينيه، وراح يتابع مافيها من تعليمات .
لم تكن خريطة كاملة للكنز، فقد وجد بها عبارة تقول : " اتجه إلى السور الغربي للقصر..اجعل ظهرك إلى السور..ثم سِر ثلاث خطوات للأمام وابدأ الحفر..وسوف تجد خريطة الكنز " . أخذ "مدحت" يتساءل في نفسه : " السور الغربي للقصر !..يعني إيه ؟!..دي فيللا مش قصر !..
آي نعم هيه قديمة شوية..بس أكيد عمرها مايرجعش للقرن السادس
عشر !!..حاجة تلخبط صحيح..يمكن قصده السور الغربي للفيللا ؟!..
والله ممكن..هه..خلينا نشوف ! " .
انطلق إلى السور الغربي للفيللا ونفذ التعليمات بالضبط، ووجد هناك بالفعل خريطة أخرى تقوده إلى السور الجنوبي للفيللا ! .
اندفع إلى السور الجنوبي، فوجد خريطة ثالثة تشير عليه أن يذهب إلى الجهة الخلفية للمطبخ !..وعليه أن يُعطي ظهره للمطبخ ثم يسير خمس خطوات إلى الأمام، وبعدها ثلاث إلى اليمين . نفذ التعليمات بدقة، فعثر على خريطة رابعة..عليها كلمة واحدة : الكنز !! .
كاد أن يطير من الفرحة، وأخذ يفرك يديه، وهو يقول لنفسه مُشجعاً :
- ياللا يا ميمو..خُش ع الكنز !! .
وكان عليه هذه المرة أن يقف بمواجهة باب الفيللا الداخلي، ثم يسير خطوتين إلى اليمين، ثم يعتدل ويواجه باب الفيللا مرة أخرى، ويسير في اتجاهه خمس وعشرين خطوة كاملة، ثم خمس إلى اليسار، ثم ثلاث إلى الأمام ! .
واكتشف "مدحت" أن هذا الوصف يعني أنه سوف يدخل الفيللا نفسها، ثم يتجه يساراً إلى صالة الاستقبال (الريسيبشن) .
قرر أن يعمل في ظل الإضاءة الخافتة للريسيبشن، وأزاح السجادة الكبيرة التي تغطيه..فلما كشفت عن السيراميك الذي تحتها، انتبه إلى أن عليه أن يقوم بتكسير هذا السيراميك؛ كي يصل إلى الكنز !..فكيف يفعل دون أن يسبب إزعاجاً يوقظ زوجته ؟! .
وقبل أن يفكر فيما سيفعل..أُضيئت أنوار الفيللا كلها دفعة واحدة..ووجد أمامه عشرات العيون تنظر إليه..وسؤال واحد ينطلق من عشرات الحناجر :
- بتعمل إيه يامدحت ؟!! .
ياخبر أبيض !..إنهم أصدقاؤه وصديقات زوجته..ما الذي جاء بهم كلهم هكذا، في هذا الوقت ؟!! .
كان السؤال يتراقص في عينيه..وجاءته الإجابة فوراً..فقد أخذ الجميع يغنون في صوت واحد مُنَّغم : "هابي بيرث داي تو يو..سنة حلوة ياجميل" !..ولاحظ أن زوجته تقف بينهم..يعني لم تكن نائمة أبداً ! .
هنا أدرك إنهم اتفقوا جميعاً على الإحتفال بعيد ميلاده، في أول ساعة من اليوم..فكرة غريبة جداً..وجديدة أيضاً !! .
والتفت "مدحت" إلى واحد بالذات من أصدقائه، وقال له معاتباً بمرح :
- برهومة !..هه..يعني إبراهيم..صح ؟!..إنت صاحب الفكرة دي..مش
كده برضه ؟! .
أومأ "إبراهيم" برأسه موافقاً، فدفعه "مدحت" في كتفه وهو يضحك .
كان يتميز غيظاً من إنه "شرب المقلب" هكذا..لكنه رغم هذا كان سعيداً..بأغرب عيد ميلاد له.. في حياته كلها !! .
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.